من حكمة الله تعالى في خلقه، ورحمته بعباده، أن جعل الرزق والأجل بيده سبحانه، وقدَّر ذلك للعبد وهو جنين في بطن أمه، ولو كان الرزق والأجل بيد بعض البشر لبغوا في الأرض، وجوعوا الخلق، وأبادوا الناس، ولبقي الجبابرة والمستكبرون أبد الدهر، كيف وهم يظلمون ويعتدون لما مُنحوا بعض القوة على من سواهم، فلو كانت أرزاق البشر إليهم، وآجالهم بأيديهم فكيف سيكون الحال؟! وماذا سيفعلون بهم؟! وتلك حكمة قلَّ من الخلق من يفهمها، ونعمة جلَّ في العباد من يشكرها، فنحمد الله تعالى عليها حمداً يليق بجلاله وعظمته.
إن من المتقرر في عقيدة المسلم أن الرزق من الله تعالى، فهو الذي يعطي ويمنع، وهو الذي يرزق ويمنح، ولا أحد من المخلوقين يملك ذلك، إذ ذاك من خصائص الربوبية التي جاء الإستدلال بها في القرآن على وجوب العبادة، كما في قول الله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ*فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس:31-32]، وذلك أن الله تبارك وتعالى قد أوجد البشر من العدم، ورباهم بالنعم، وكفل لهم أرزاقهم، وبيده سبحانه آجالهم، قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ من شَيْءٍ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40].
وإذا علم ذلك فإن من يخلق ويرزق يجب أن يكون له الشرع والأمر، ومن لا يخلق ولا يرزق فلا أمر له بل هو عبد مأمور لرب معبود، ولذا قرن الله تعالى الخلق والشرع في قوله سبحانه: {أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54].
فواجب على المسلم أن يلتزم أمر الله تعالى في كل شؤونه وأحواله، حتى يكون معترفاً بخلقه، مستسلماً لأمره، ملتزماً لشرعه.
وقضية الرزق قضية أرَّقت كثيراً من البشر، وشوشت تفكيرهم، وسببت أنواعاً من القلق والاضطرابات النفسية، خوفاً من الفقر والحاجة، وجزعاً من المستقبل المجهول، فضرب كثير منهم كل واد في كسب المال، وتأمين المستقبل، وإستحلوا كل وسيلة، فالحلال عندهم ما حلَّ في أيديهم، والحرام ما لم يدركوه، دون مراعاة للشرع والقيم والأخلاق، وتلك والله من أعظم المصائب التي إبتلي بها البشر في هذا العصر، حيث سادت النظم الرأسمالية فقذفت بأنواع من وسائل الكسب الخبيث، مبنية على الحرية المطلقة في الأموال، فعمَّ الظلم والفساد والسحت أرجاء الأرض حتى لا تكاد تخلو بقعة من كسب خبيث، وإتجار محرم.
وكما أن في الأقوال والأفعال والأخلاق طيباً وخبيثاً فكذلك في الكسب والتجارة والأموال ما هو طيب وما هو خبيث، ولا يستويان أبداً، بل قليل الطيب خير وأفضل وأكثر بركة ونفعاً من الخبيث مهما كثر وامتلأت به خزائن البنوك، وتنفَّذ به المتنفذون، وساد به الأرذلون، وتسلطت به الدول المستكبرة على الدول الضعيفة الفقيرة، فإن عاقبة الخبيث على الأفراد والأمم إلى تباب وخسران في الدنيا الآخرة، كما في قول الله تعالى: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:100]، وفي الآية الأخرى بيّن سبحانه وتعالى أن مصير الخبيث نار جهنم: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [الأنفال:37].
لقد أمر الله تعالى عباده بالحلال الطيب، ونهاهم عن الحرام الخبيث، وحذرهم من الشيطان الذي يسعى جهده لجرهم إلى المكاسب الخبيثة، ويزين لهم المتشابه ليجاوز بهم إلى الحرام، فينقلهم إليه خطوة خطوة، حتى إذا أغرقهم في الحرام لم يستطيعوا النجاة منه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة:168]، إنها خطوات ينقل بها الشيطان من إتبعه من البشر من الحلال الخالص إلى المتشابه المشكل ليكون قنطرة إلى الحرام الخالص، بعد أن يقذف في قلوبهم أنواعًا من الوساوس والخطرات، منها:
- حالهم لو إفتقروا.
- أحوال أهلهم وأولادهم من بعدهم.
- مقارنة كسبهم بكسب غيرهم ممن إستحلوا محارم الله تعالى، وولغوا في أنواع من الكسب الخبيث.
فإذا أغرقهم الشيطان في الكسب الخبيث فقد أوقعهم في النار، ولن تنجيهم أموالهم الخبيثة من عذاب الله تعالى شيئاً، بل ستكون وبالاً عليهم في أنفسهم وأهلهم وأولادهم، وشؤماً في الدنيا والآخرة.
[] من أضرار الكسب الخبيث:
= أولاً: من تخوض في الحرام، وإكتسب الخبيث، فقد عرض نفسه وأهله وولده للنار، كما روت خَولة الأنصارية رضي الله عنها، قالت: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ رجالاً يَتخوَّضونَ في مالِ اللهِ بغير حقّ، فلهُمُ النارُ يومَ القيامة»، وفي لفظ آخر قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، مَنْ أَصَابَهُ بِحَقِهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَرُبَّ مُتخوِّضٍ فِيمَا شَاءَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ النَّارُ».
وفي حديث آخر قال النبي عليه الصلاة والسلام: «يا كَعْبُ بنَ عُجْرَةَ، إنهُ لاَ يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِن سُحْتٍ إلاَّ كاَنتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ»، وفي رواية: «إنه لا يَدخلُ الجنةَ لحمٌ نبتَ من سُحتٍ، النارُ أولى به».
ولما قال الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم: أْوصِنا"، قال: «إنَّ أولَ ما ينتنُ من الإنسانِ بَطنه، فمن إستطاع أن لا يأكلَ إلا طيِّباً فليَفعلْ.
= ثانياً: من شؤم المال الحرام أنه يمنع إجابة الدعاء حتى في سفر الطاعات، كالجهاد والحج والعمرة وطلب العلم، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً، وَإِنَّ اللّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51]، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:271]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلُ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذلِك».
وقوله: «وغُذي بالحرام» ظاهره يشمل كل من ينفق عليهم من أهل وولد فيخشى عليهم ألا يستجاب دعاؤهم، وهذا من شؤم من أنفق الحرام عليهم، وبنى به أجسادهم.
= ثالثًا: إن تصدق من هذا الحرام الخبيث لم تقبل صدقته، لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم... ثم قال: ولا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يترك خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله عز وجل لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث.
= رابعاً: أن صاحب الكسب الخبيث يبتلى بأمراض الطمع والجشع والبخل والأثرة والأنانية، وحب الذات، والعلو على الناس، ويحسد الناس على أموالهم، لأنه يراهم ينافسونه في المال، ولا دين يردعه عن حسدهم، إذ لو كان له دين لردعه عن الحرام الذي أفسد قلبه وإبتنى به جسده وجسد أهله وولده.
ومع تمكن هذه الأمراض الخبيثة من قلبه يتحول من متمول للمال، منتفع به، إلى خادم له، يجمعه ويحرسه وينميه، ويخاف عليه أشد الخوف، ولربما كان حتفه بسبب ماله في صفقة فاتته، أو خسارة أصابته.
روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا»، قَالُوا: وَمَا زَهْرَةُ الدُّنْيَا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: «بَرَكَاتُ الأَرْضِ»... ثم قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ هذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ.
وهذا واقع مشاهد، فإن الذين فتنوا بأنواع الكسب الحرام لا يقنعون بقليل الكسب، ولا يشبعون من كثيره، بل هم في تزود دائم من الحرام، يجمعونه لغيرهم، ويحملون وزره على ظهورهم.
= خامساً: أن المال الحرام أنه سبب للكسل عن الطاعات، وإستسهال الكبائر والموبقات، إذ لا يزال الشيطان يقذف في قلب صاحبه أن الطاعات لا تنفعه ما دام يكتسب الحرام، فربما ترك الصدقة، وتقاعس عن الزكاة المفروضة، بحجة أن كسبه حرام فكيف يزكيه، فإن كف نفسه عن بعض المحرمات جاءه الشيطان يذكره أن ماله حرام فما ضره لو إستمتع بهذا الحرام الذي كف عنه، وتعينه نفسه الأمارة بالسوء على الحرام، وتدفعه الرفقة الخبيثة إليه دفعاً.
بل يجد في نفسه أن الكسب الخبيث ينبغي ألا ينفق إلا على العمل الخبيث، فيُحدِث أعمالاً ومشاريع خبيثة ينفق فيها ماله الخبيث، فيعود موزوراً بالكسب الخبيث، وبالعمل الخبيث، فتأمل أخي القارئ كيف جره الكسب الخبيث إلى جملة من المحرمات، ولو فتشت عن حال كثير ممن يتخوضون في المال الحرام لوجدتهم كذلك، وانظر إلى أحوال الذين أسسوا القنوات الفضائية الفاضحة، المدمرة للديانة والأخلاق، وراجع مكاسبهم، ومصادر ثرواتهم قبل إنشاء فضائياتهم تجد أنها كانت مكاسب خبيثة، أنفقت في مجالات خبيثة.
= سادساً: لربما تسلط على صاحب الكسب الحرام ظلمة أقوى منه يبتزونه في تجارته، ويريدون غصب ماله، لعلمهم بموارده، ولقناعتهم أنه لا يستحقه، فلا يزال يدفعهم عن نفسه وماله بكل الوسائل، فما هنئ بماله، وكان ما جمع من حرام سبباً في خوفه وشقائه، وغالباً ما يسلط الله تعالى على الظالم من هو أظلم منه وأطغى، ليذيقه بعض الألم والظلم الذي جرعه من ظلمهم سابقاً.
= سابعاً: إن كان المال الحرام الذي إكتسبه متعلقاً بحقوق الناس، وأكل أموالهم بالباطل، كالغش والرشوة والسرقة والغصب ونحو ذلك، فإن وفاء غرمائه يوم القيامة يكون من صحيفة حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار، كما جاء في حديث المفلس أن من أسباب إفلاسه «وَأَكَلَ مَالَ هَذَا..».
فويل لأولئك الذين يأكلون أموال الناس بإسم المساهمات والإتجار بها وتنميتها حتى إذا جمعوا أموالهم منهم تنكروا لهم، أو فروا بها خارج البلاد وتركوهم بمصابهم في أموالهم، ولربما كانت أموال يتامى وأرامل، وكم من أناس إفتقروا بسبب ذلك، نسأل الله تعالى العافية والسلامة.
وحَري بكل من رزقه الله تعالى عقلاً، ومن عليه بالإيمان أن يجانب الكسب الخبيث وقد علم ما فيه من تبعات وآثام، وما يخلفه من آثار مهلكة عليه وعلى دينه وقلبه وأهله وولده ومن وقع في شيء من الكسب الخبيث فليتخلص منه في الدنيا مهما كان كثيراً قبل أن يدهمه الموت، فيحمل على ظهره ذنوب ما جمع من حرام، وخلفه لوارثه، ولا يدري أيتذكره ورثته فيدعون له، أم يشغلهم عنه ما ورَّث لهم، فيذرونه نسياً منسياً، وقد تدب الخصومة بينهم على إرثهم، فيقطعون أرحامهم، ويغصب بعضهم حقوق بعض، فيكون ذلك من عاجل شؤم ما خلفه لهم وأرثهم من مال حرام.
[] الدافع إلى الكسب الخبيث:
إن من أعظم الدوافع التي تدفع المرء إلى الكسب الخبيث: خوفَه على أهله وذريته الفقر والعالة، وزعمَه تأمين مستقبلهم، وما علم المسكين أنه بهذا الحرام يدمر مستقبلهم، ويفتح عليهم أبواب الشقاء في الدنيا والآخرة، وغالباً ما يرى عقوقهم له رغم ما متعهم به من أنواع المتع والرفاهية بكسبه الخبيث، ثم يتحمل هو وزر وإثم ما سيخلفه لهم من أموال طائلة، وهذا واقع مشاهد، والله تعالى يقول: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً} [الأعراف:58]، فكيف يأمل في بر ولده، والبر عمل طيب لا يصدر إلا من طيب، وهو قد غذاه بأنواع الكسب الخبيث، وإبتنى جسده بالمحرمات؟!
وكثيراً ما يبدد الورثة ما خلف لهم وارثهم من مال حرام، فيعودون عالة على غيرهم، لمحق بركة ما خلف لهم بخبث مصدره وكسبه، فلا أمَّن لهم وارثهم مستقبلهم، ولا سلم هو من وزر ما ورَّث لهم.
وأوصي المسلم الذي إستهواه المال الحرام، وغرته زهرته، وكانت مجالاته تحت يده بولاية أو شراكة أو وصاية أو غير ذلك، بما يلي:
1= أن يعلم أن الحرام خبيث، وأن بركته ممحوقه، وأن عاقبته إلى القلة والزوال، وأن السلامة لنفسه ولمن يحب من أهله وولده إنما هي في مجانبته.
2= أن يعلم أن دخوله في الحرام هو من أسهل ما يكون على النفس البشرية، ولا سيما مع وجود المغريات، وغياب العقوبات، وضعف الرادع، ولكن خروجه من الحرام، وإنقاء ماله منه أعسر ما يكون، ولينظر إلى أحوال من غرقوا في الحرام فسيجد أن ذلك صحيح.
3= أن يراقب الله تعالى قبل أن يراقب الجهات الرقابية، وأن يكون خوفه منه أشد من خوفه من البشر مهما كانوا، فإن ذلك من أقوى ما يردعه عن الكسب الحرام.
فإن وفق الله تعالى العبد إلى كبح جماح نفسه عن الخطوة الأولى في الكسب الخبيث نجي بإذن الله تعالى مما بعدها، وإن خطاها أسرع إلى غيرها، وما هي إلا خطوات الشيطان الذي يأمر بالفحشاء والمنكر.
4= إن رأى غيره قد إغتنوا بالغلول والرشوة والربا والسؤال من غير حاجة، وبأنواع المكاسب الخبيثة، وهو لا زال مستور الحال أو فقيراً، فليعلم أن الغنى غنى النفس، وأن الفقر فقر القلب، وأن من يثرون بالطرق المحرمة هم أشد الناس فقرا في قلوبهم، وإن بدا للناس أنهم أغنياء، ثم لينظر أحوال من هم أشد فقراً منه لئلا يزدري نعمة الله تعالى عليه.
5= على المسلم أن يستشعر أن طلب الرزق نوع من الجهاد، ولذا قرن به في قول الله تعالى: {آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] فلا يسوغ له أن يلطخه بما حرم الله تعالى عليه.
6= أن يوقن أن الخير العظيم يكون في تركه للخبيث إبتغاء مرضاة الله تعالى، مهما كانت المغريات، ومهما كثر المتساقطون فيه، وحري أن يعوضه الله تعالى خيراً مما ترك لأجله سبحانه، قال أبي بن كعب رضي الله عنه : ما ترك عبد شيئاً لا يتركه إلا لله، إلا آتاه الله ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، ولا تهاون به فأخذه من حيث لا ينبغي له إلا أتاه الله بما هو أشد عليه، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: ما تركت من الدنيا شيئاً إلا أعقبني الله عز وجل في قلبي ما هو أفضل منه يعني من الزهد.
المصدر: مجلة الجندي المسلم.